كيف تشرع في التفكير والحديث كمشاعي؟


تمثّل المشاعات تحدّيا كبيرا للرأسماليّة لأنّها قائمة على فلسفة مختلفة. كثيرا منّا استبطنوا خطابَ التفرقة والأنانيّة. نقيّم الأشياء من خلال قيمتها التسويقيّة على عكس ماهي عليه فعلا وعلى عكس السياق المحلي.

الإشاعة هي توجّه مختلف عن العالم لأنّ الأفعال والقيم ترتكز على استقلاليّة وعلاقات عميقة. اللغة ليست وسيلة قويّة للتواصل والتنسيق فيما بيننا فقط بل يشكّل أيضا نظرتنا ومعرفتنا لذواتنا. عبر اللغة، نخلق ونعبّر عن أفكارنا وهي عنصر مهم في خلق الثقافة.

لفهم معمّق للمشاعات وبداية القطع مع الفردانيّة التي سبّبتها الرأسماليّة، نتوجّه إلى مصطلح نجده في لغات متعدّدة في أفريقيا الجنوبيّة: أوبنتو. رغم عدم وجود مرادف للكلمة في اللغات الغربيّة، إلاّ أنّ المفهوم يمكن أن يترجم كالتالي:”أنا موجود لأنّنا معاً.” (جون مبيتي، فيلسوف وكاتب مسيحي كيني)

بعبارة أخرى، أوبنتو تخلق ارتباط الأنا بالآخرين. المصطلح يعترف أيضا بالإشكاليّات بين الفرد والمجموعة والتي يضع لها مسارات مناسبة لتجاوزها.

خلق لغة جديدة من أجل مجتمع قائم على المشاعات: سيلك هيلفريش ودافيد بوليي

الازدواجيّة الخادعة للغة اليوميّة

في كتابهم “أحرار، منصفون وأحياء” سيلك هيلفريش ودافيد بوليي يقترحان مجموعة من الكلمات المفاتيح التي تفسّر  أسباب صعوبة شرح المشاعات في لغتنا القائمة على السوق.

اخترنا بعض المصطلحات في الكتاب والتي تُفهم دائما على أنها متناقضة في لغتنا اليوميّة. في المشاع تفهم المصطلحات بطريقة أوضح كوجهي الميداليّة. الوجه الأول هو شرط وجود الثاني.

جماعي، فردي: هذه الثنائيّة تستخدم دائماً لتفترض أنّ مصلحة الفرد دائما ما تتموقع ضد مصلحة المجموعة.

 تتوضّح هذه الفكرة من خلال “رجل عصاميّ” وهي مغالطة. لأنّ الفرد لا يمكن أن يطوّر مهاراته وهويّته إلاّ من خلال المشاركة صلب المجموعة.

والعكس صحيح: المجموعة لا يمكن أن تنشأ إلاّ بأشخاص. بعبارة أخرى، العنصران هما مترابطان لا متضادّان.

 مستهلك ومنتج: الاقتصاد الكلاسيكي عموما يعتبر المستهلكين والمنتجين كثنائيّ: الشركة تنتج والفرد يستهلك.

لكن كمشاعات وشبكات مفتوحة تمكّن الأفراد من التزوّد (فرديا وجماعيّا)، المصطلحان يمكن أن يندمجا.

سوق/ دولة: رغم أنّ الأسواق والدول يقدّمان كمصطلحات مختلفة ومتضاربة ( في القطاع الخاص والعام)، هي في الحقيقة مترابطة ترابطا وثيقاً.

من الضروريّ اعتبارها كشراكة بين الاثنين. القطاعين العام والخاص مرتبطان برؤية للعالم مبنيّة على الرأسماليّة. لأنّ اقتصاد السوق مرتبط بالتمويل العام والبنية التحتية المدنيّة. والدول، من جهتها، تنظر للأسواق كمصدر للجباية، مواطن شغل وتأثير جيوسياسي.

 كلمات تتماشى مع “المشاعات”

مع بداية التعرّض للمشاعات، شرعنا كذلك في تجميع كلمات ومصطلحاتٍ مرتبطة بالمشاعات وترجمتها بالدارجة التونسيّة. هذا الملف يحتوي على مجموعة من الكلمات التي نريد تطويرها بمقترحات من قرّائنا على أمل تكوين معجم مشترك متجذّر محليّا.

الكلمات التالية موجودة في كتاب ‘أحرار، منصفون وأحياء” وقد وقع تسليط الضوء عليها من طرف الكتّاب لكي نتعلّم تسمية ورؤية وفهم أكثر للمشاع.

الاعتناء: هو إلتزام عاطفيّ يظهر من خلال ممارسة شخص لنشاط ما يمكن أن يكون اقتصاديّاً. وهو يصف أيضا الجانب الإنساني للأنشطة القائمة على المسؤوليّة والترابط والحاجة.

يمكن أن تتم ملاحظته في تربية الأطفال، رعاية أفراد العائلة والأصدقاء، إدارة الأمور، التموين، وحماية الطبيعة والعديد من الأنشطة الأخرى. المصطلح له تاريخ طويل في الدراسات النسويّة، يعترف بأهميّة العمل الغير تسويقي بقيمته الحقيقيّة والتي غالبا ما يكون مغيّبا أو محتقرا من ثقافة السوق.

لمعرفة المزيد عن الرعاية وكيف كانت الرأسماليّة والذكوريّة مرتبطة “بالعمل المنتج” المجاني لتلبية الحاجيات، نقترح أن تراجعوا كتاب سيلفيا فيديريتشي والتي تسعى منذ خمس عقود إلى القيام بأبحاث ومحاضرات وكتابات عن الموضوع.

هذا النوع من العمل يشمل طبعا الأمومة وتربية الأطفال ولكن يعود أيضا إلى المهام الكثيرة كتحضير الأكل، التنظيف، الاعتناء بالمسنّين وقضاء حاجيات المنزل.

الاعتناء بالطبيعة: هو اهتمام بالغابات، الأراضي الفلاحيّة، المياه أو المساحات الحضريّة أي التحوّل إلى جزء من الذاكرة، الثقافة والحياة الاجتماعيّة والهويّات الجمعيّة.

لذلك، عندما يتمكّن المشاعيين من تلبية حاجياتهم، يمكن أن يهتمّوا بالطبيعة. الأشياء، الأنظمة الحيّة والعلاقات التي تعدّ في قلبِ الاهتمام وتعتبر قاعدة لحياتهم.

كلمة مورد، تجعلنا نفكّر في مشاركة الثروة كشيء قابل للاستخراج والاستغلال ليتحوّل إلى عنصر في المعادلة الاقتصاديّة.

 الأفراد الذين يعيشون في ظلّ نظام رأسمالي ليبرالي معاصر يذهبون عادة إلى اعتبار الفرد كشخص معزول ومستقلّ عن منظومات أوسع من المجتمع، الطبيعة والسياسة. هذا يُتَرجَمُ بمجموعة من التقسيمات كالفرد ضد المجموعة، العام ضدّ الخاص والموضوعي ضدّ الذاتي.

الفرد المركّب: استعمال كلمة “فرد مركّب” مكان “الفرد” هي الاعتراف بهويّته، امكانيّاته وطموحاته وهي أمور متجذّرة في العلاقات الانسانيّة والغير انسانيّة. من خلال الوعي الذاتي، الشخص الذي يعترف أنّه “فرد مركّب” يمكن أن يتفهّم أنّ المصالح الشخصيّة والجماعيّة الأوسع لا تتضارب ولكن يمكن أن تكون متوافقة.

الفرد المركّب يختلف عن الفرد المنعزل الذي يمثَّل بالهومو إيكونوميكوس، نموذج الانسان في اعتبار المختصين في الاقتصاد: شخص مهتمّ بذاته، عقلاني، يكرّس إلى أبعد الحدود مقولة “العصاميّة”.

الأفقيّة يعود أصلها في الكلمة اليونانيّة ετεραρχία وهي تعني “الآخر” و”القواعد”. في منظومة أفقيّة، العديد من القواعد والمنظومات تتداخل فيما بينها. ويمكن أن نجد فيها، مثلا، منظومة من الأعلى إلى الأسفل والعكس في عمليّة المشاركة (كلتاهما تتميّز بالأفقيّة) وهناك ديناميكيّة بينها (وهي بدورها عموديّة)

في منظومة أفقيّة، يمكن للأفراد أن يبلغوا الاستقلاليّة الاجتماعيّة من خلال عدد من نماذج التسيير. مثلا، في منظومة أفقيّة يمكن أن تكون هناك تراتبيّة على شرط موافقة كل الأفراد. هي منظومة أكثر انفتاحاً ومرونَةً مع مشاركة ديموقراطيّة.

الأقران: هم الأفراد الذين يمتلكون نفس السلطة الاجتماعيّة والسياسيّة مع بقيّة أعضاء المجموعة. وهم عادة يمتلكون شخصيات مختلفة، لكن لهم نفس الحقوق وامكانيّة المشاركة في مشروع تشاركي واتخاذ قرار المواصلة.

التزويد: الاستجابة إلى حاجيات الأفراد عبر المشاع. وهي كلمة تعوّض مصطلح “انتاج” والتي ترتبط من طرف الأشخاص غير المعنيين بالتسويق، المجموعة وتركّز على أسعار السوق.

الهدف من التزويد هو تلبية حاجيات الأفراد، في حين أنّ هدف الإنتاج هو تحقيق أرباح لمنتجي الأشياء والخدمات. الهدف الرئيس للتزويد هو إعادة ادماج التصرفات الاقتصاديّة مع بقيّة مظاهر الحياة، بما في ذلك الراحة الاجتماعيّة، البيئيّة والعلاقات والاهتمامات الأخلاقيّة.

العمل معا: هو مكمّل للعمل بالأدوات الموجودة. والاثنان يهدفان إلى تجنّب العمل بالاعتماد على المال والأسواق.